الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية بعد 65 سنة من انتصاب الحماية: هكذا رُفع مطلب استقلال تونس في مؤتمر ليلة القدر

نشر في  03 جويلية 2016  (17:59)

بمناسبة الذكرى الـ70 لمؤتمر ليلة القدر الذي انتظم بتاريخ 22 أوت 1946، قدم المؤرخون عبد اللطيف الحناشي وليلى بليلي وقمر بن دانة لمحات حول هذا المؤتمر الذي يمثل محطة هامة من محطات النضال الوطني والذي رُفع فيه لأول مرة بصفة شبه رسمية مطلب استقلال تونس.

 فبمبادرة من المكتبة الوطنية انتظم هذا اللقاء بمقر المكتبة الخلدونية، وقد شددت الاستاذة قمر بن دانة على اهمية الحراك الاجتماعي والسياسي الذي ظهر سنة 1946، بينما ركزت الأستاذة ليلى بليلي على فكرة الالتقاء بين السياسة والدين في هذا المؤتمر (بين الدساترة والزواتنه) وعلى دور الفاضل بن عاشور فضلا عن التقارب بين الحزب الحر الدستوري التونسي والنقابة.

وقالت بليلي إن مؤتمر ليلة القدر جاء كرفض للمشروع الفرنسي ورأس المال الفرنسي الذي كان متشبثا بالإستعمار في الوقت الذي انتهت فيه الحرب العالمية الثانية التي قامت ضد الفاشية والانظمة الديكتاتورية. وأضافت بليلي أن المنصف باي لم يكن حاضرا وقتها وكان يمكن أن يكون الشخصية التي تتمحور حولها الأحزاب، وربما لو لم يكن المنصف باي منفيا وقتها لأخذت الأحداث السياسية منعرجا آخر.

 أما الأستاذ عبد اللطيف الحناشي فدعا الى صياغة رؤية جديدة لتاريخ تونس بما فيه مؤتمر ليلة القدر (1946) والنازلة التونسية (1885: أول تحرك قام به الوطنيون التونسيون بعد انتصاب الحماية الفرنسية) وأحداث الزلاج (1911: انتفاضة شهدتها تونس العاصمة ضد سلطات الحماية بعد قيام بلدية تونس بتقديم طلب لتسجيل أرض مقبرة الجلاّز في السجل العقاري الفرنسي) وذلك من زاوية معرفية ولا سياسية.

وعرج الحناشي على الظرفية العالمية التي انعكست على تونس بإعتبارها كانت احدى ساحات الحرب العالمية الثانية والظروف الاقتصادية الصعبة كتردي ظروف عيش السكان وانهيار القدرة الشرائية وتفاقم البطالة وتضخم أعداء النازحين وتوسع الفوارق بين التونسيين والفرنسيين بالاضافة الىعودة الصحف الوطنية للصدور بعد القمع والتي لعبت دورا في بلورة الرأي العام الوطني. وبين الحناشي أن الجبهة الوطنية (التي ضمت جميع الحساسيات السياسية بالبلاد ومنها الحزب الحرّ الدستوري الجديد والاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة) طرحت آنذاك فكرة الحكم الذاتي ولا الاستقلال، وهنا يأتي دور الزيتونيين الذين حرروا لائحة تطالب بالاستقلال وجمعوا آلاف التوقيعات.

وكانت مجموعة من مدرسي جامع الزيتونة مؤلفة من المشائخ الفاضل بن عاشور والطيب التليلي والحبيب بن الخوجة قدمت في خطوة جريئة سنة 1945 مبادرة تمثلت في تحرير عريضة تتضمن مطالبة الشعب التونسي بالاستقلال التام وتقديمها الى المواطنين بغية التوقيع عليها.

يذكر أن الكوميسار- بأمر من المقيم العام الفرنسي الجنرال ماست-  داهم منزل محمد بن جراد حيث انعقد مؤتمر ليلة القدر واعتقل عددا من الحاضرين وزج بهم في السجن بتهمة التآمر على أمن الدولة  قبل أن يتم اطلاق سراحهم بعد ان دخل تجار المدينة في اضراب عام للمطالبة بإطلاق سراح المحتجزين الوطنيين وبعد العريضة التي أطلقها الشيخ محمد صالح بن مراد للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين من المشاركين في مؤتمر ليلة القدر.

وقد نشرت جريدة الزهو بتاريخ 14 سبتمبر 1946 قائمة تضم أسماء المعتقلين ليلة 27 رمضان ومنهم الفاضل بن عاشور وعلي البلهوان والصحبي فرحات وعبد اللطيف بن عاشور وسليمان بن سليمان وأحمد بن ميلاد والمنجي سليم وصالح بن يوسف وفتحي زهير وغيرهم.

وجاءت لائحة المؤتمر كما أوردتها جريدة الاستقلال كالآتي:

"الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله

إن المؤتمر الوطني التونسي المنعقد في 26 رمضان المعظم عام 1365هـ الموافق 23 أوت 1946 بعدما درس حالة البلاد السياسية واستمع لمختلف الخطباء، صادق بالإجماع على العريضة التالية:

حيث أن البلاد كانت قبل سنة 1881 كانت دولة ذات سيادة مرتبطة بالخلافة العثمانية بواسطة روحية أكثر منها سياسية.

وحيث أن سيادة البلاد التونسية معترف بها من مجموع الدول وقد أيدتها المعاهدات التي أبرمت مع الدول الأجنبية .

وحيث أن فرنسا التي كانت تؤيد نظرية استقلال البلاد التونسية لدى الحكومة العثمانية قد فرضت على تونس معاهدة وقع عليها الأمير الصادق باي تحت الضغط ولم يصادق عليها الشعب.

وحيث أن معاهدة باردو لم تكن لتفصل البلاد التونسية عن المجموع الدولي ولم تلغ سيادتها الداخلية و الخارجية.

وحيث أن الحماية قد استحالت بعد مضي خمس وستين سنة إلى نظام استغلالي استعماري يجرد به الحامي المحمي من سيادته ومن خبراته تجريدا منظما في حين أن مفهوم معاهدة باردو واتفاقية المرسى ومنطوقهما يقضيان بأن تكون الحماية نظاما وقتيا شبيها بوصاية بسيطة.

وحيث أن الدولة الحامية لم تلتزم حدود سلطة المراقبة وحلت محل الدولة المحمية في مباشرة السيادة و التصرف في الشؤون العامة.

وحيث أن السلط الفرنسية قد استحوذت على السلطة التشريعية التي هي حق خاص لسمو الباي حتى أصبح حضرته شبيها بمتوظف شرفي سامي مضغوط على حريته الشخصية كما أن وزراء الدولة التونسية الذين نزلوا بهم ضمن وزراء سمو الباي صاروا مجرد شخصيات لتزيين المحافل وكما أن جلهم كانوا أعوانا ينفذون أمر المراقبين الفرنسيين وكذلك نزعت في جميع البلدان والقرى سلطات جميع المتوظفين التونسيين وأسندت لمتوظفين فرنسيين غير حتى خبرتهم ولا نزاهتهم في غالب الأحيان سالمتين من الطعن.

وحيث أن تمثيل الجالية الفرنسية بتونس في البرلمان الفرنسي اعتداء جديد على السيادة التونسية ونقض خطير لأساس الوضعية الدولية للحماية.

وحيث أن فرنسا بعد ما التزمت علانية حماية شخص الباي وعائلته قد عادت للإبعادات مرة أخرى فخلعت عنوة ملك البلاد الشرعي المنصف باشا باي معتدية حتى على القواعد الأصولية للدين الإسلامي.

وحيث أن هذه الاعتداءات قد نشأ عنها نظام إداري مضطرب لا هو إلحاق ولا هو حكم ذاتي وقد شاعت فيه الأصول التشريعية وتلاشت فيه المسؤوليات.

وحيث أن الدولة الحامية قد سلكت منذ بداية عهد الحماية سياسة تفقير الأهالي بتجريدهم من أخصب أراضيهم و بمنح المتوظفين”وجلهم فرنسيين” أكثر من ثلثي ميزانية لا مراقبة عليها مستمدة من نظام جبائي مبني على اعتبار العدد لا الثروة وبإخضاع البلاد التونسية لسياسة مالية و قمرقية و تجارية مضرة بالاقتصاد التونسي بدون أن تفيده في مبادلاته مع البلاد الأجنبية.

وحيث أن هذه السياسة كانت نتيجة تعمير البلاد بالفرنسيين من معمرين و متوظفين وعن طريق التجنيس الذي بعد أن فتح في وجه التونسيين والمالطيين و الروس الملوكيين من أتباع”فرانحيل” و ألاجئين الأسبان صار يستعمل الايطاليين حتى اليوم لتنمية عدد المواطنين الفرنسيين بالنسبة لعدد التونسيين قصد تجريد البلاد من صبغتها التونسية.

وحيث أن الإسراف المالي الذي أوجبه هذا التعمير الفرنسي بالنسبة الجائر قد أعجز الحماية عن الوفاء بواجباتها الاجتماعية نحو المسلمين في ميادين التموين و السكنى و الصحة العامة و التعليم.

وحيث أن ذلك أدى بالدولة الحامية إلى إهمال كل ما يتعلق بتحسين حالة الأفراد والاعتناء بمصالح رأس مالية متوفقة فلم تقم برسالتها التمدينية التي يحاولون من أجلها تبرير نصب الحماية على البلاد.

وحيث أن التونسيين قد حرموا في بلادهم من الحريات الأولية حريات التفكير و النشر و القول والاجتماع و التجول حتى أن الخمس و الستين سنة التي مرت على الحماية قضى منها التونسيون أكثر من عشرين سنة تحت الحكم العسكري العرفي و الباقي تحت نظام البوليس.

وحيث أن أنه فيما يخص الأمن قد نكثت الدولة الحامية عهودها بتسليمها لدول المحور بينما كان المحميون يدافعون دائما عن قضية فرنسا وقضية حلفائها و يبذلون دمائهم في هذا السبيل.

وحيث أن التضحيات البشرية و المساهمات في المجهود الحربي التين بذلتهما الأمة التونسية خلال الحرب العالمية الأولى من شأنهما أن تستوجب إنهاء الحماية وتحرير البلاد التونسية.

وحيث أن معاهدة باردو نصت على أن الحماية في جوهرها نظام وقتي وأن مصالح الفرنسيين الناتجة عن هذا النظام المؤقت لا يمكن لها بحال أن تكون لها صفة الدوام والاستمرار.

وحيث أن الاستعمار يعتبر بحق سببا للتنافس بين الدول ومثار المشاكل الدولية وقد عبرت الأمم المتحدة عن استنكارها له بحكم صريح وجعلت من بين الأهداف التي خاضت من أجلها غمار الحرب (حق الشعوب في اختيار صورة الحكم الذي ترتضيه لنفسها واسترجاع حقوق السيادة والاستقلال إلى الأمم التي أنتزعت منها قهرا).

وحيث أن هذه النظرية الجديدة أخذت تتجلى و تتأكد أثناء المؤتمرات العالمية المختلفة (هوت تسبرينق ، دون بررطون ، اكس وموفت. تربنت و سان فرانسيسكو) وقد كانت فرنسا من بين الدول الاستعمارية قد صادقت على المبدأ القائل بأنه ليس لأي أمة الحق الثابت الدائم في حكم شعوب لا تملك زمام أمورها.

فلهاته الاعتبارات يصرح المؤتمر التونسي الوطني بأن الحماية نظام سياسي واقتصادي لا يتفق مطلقا مع مصالح الشعب التونسي الحيوية ولا مع حقه في التمتع بسيادته ويؤكد بأن هذا النظام الاستعماري بعد تجربة خمس وستين سنة قد حكم على نفسه بالإخفاق ويعلن عزم الشعب التونسي الثابت على السعي في استرجاع استقلاله التام وفي الانضمام لجامعة الدول العربية ومجلس الأمم المتحدة و المشاركة في مؤتمر السلام."

شيراز بن مراد